لعبة القدر...بقلم...هدى كريد

لعبة القدر

تسلّلت خيوط الشّمس الأولى فنهضت متثاقلة تجرّ الخطى وتجرجر أذيال ثوبها اللّيلي البالي الذي تقادم كما الزّمان ...رائحة العطن في الحمّام الآيل الي السّقوط ..امّها غفت قليلا بعد معركة طويلة من الأوجاع.حرصت على أن تعدّ طعامها وتتركه بجانبها ...غادرت البيت في وجوم تنتظرها سحنة سيّدتها المكفهرّة وصوتها الصّباحي اللّاعن للكلّ حتّى الأم العليلة تطالها النّقمة..غصّت بأوجاعها .وحمل قلبها اليافع هموم أسرة توالت عليها النّكبات إذ مات والدها قبيل ولادتها بشهر وتحملّت ألسنة خبيثة تردّد أنّها بذرة مشؤومة ..كفكفت دموعها .حين دلفت الي البيت الرّاقي. كان همّها الأوحد أن يمرّ يومها بسلام ..الصمّت لمن كان مثلها مأمون العواقب.لقد تعوّدت عليه منذ التحقت بخدمة هذه الأسرة ..لايتواني سيّدها عن النظر المستراب ولا عن ملامسة غير بريئة كلّما سنحت الفرصة .وتفهم ايماءاته الدّاعرة. لكنّها تبتلع المهانة والكلمات. ولحسن حظّها لم تكن الزوجة تغادر بيتها إلاّ لماما..الطبّخ كثير هذا اليوم ويداها الصّغيرتان ترجفان وهي تساعد الطبّاخ استعداد لعيد ميلاد ياسر .كم يحنو عليها ويقدّم إليها في غفلة من أمه الشّكلاطة التّي تحبّها حبّا جمّا ..لم تنس في غمرة انشغالها كنزة الصّوف الزّرقاء التّي حاكتها صديقتها ريما. حملت وعاء الماء السّاخن اختلّ توازنها كأنّ الأرض مادت تحت قدميها .واندلق الماء ومعه سعير الجحيم وانطبقت السّماء على الأرض وارتدّ بصرها كسيفا...

هدى كريد