هل الزمن يسرقنا... بقلم الشاعر:: زياد اليوسف


هل الزمن يسرقنا أم هناك من يسرق منا الزمن؟!

------------------------------


الزمن يسرقُ منا سنوات أعمارنا، رصيدٌ يُستنزف وسنوات تُطوى ونحن نتفرَّج ...

كثيرا ما تُطرح مثلُ هذه العبارات أو هذه الجمل...

آما في الحقيقة، فنحن في زمنٍ ينتهي فيه الحب والإخلاص، زمنٍ يبدل الابتسامة بالحزن والكآبة... وتُسرق فيه الفرحة من شفاه الأطفال البريئين..، زمنٍ نحسُّ فيه بقسوة التناغم والانسجام، رغم وجود الأمل الجميل دائماً الموجود بحاضرنا كل يوم على وقع أنغام صباحية ليوم جديد متجدد...


مرت سنواتٌ كثيرة وأزمنةٌ طويلة لم نكن نفرّق فيها بين ما يُسرق منا، وما ينُهب، وبين ما يذوب من الأيام، وبين ما يتلاشى منها كالماء بين أصابعنا!


لم نكن نكترث لهذا التسرب، على اعتبار أن قادم الأيام كثير، وأن ما سيأتي منه سيمنح الفُرص الكافية للتعويض، 

كنا دائماً نحمِّل باقي الأيام أحلامَنا، ونحاول الاختباء تحت عباءة بكرة، أو غداً، دون التوقف عند اليوم المسروق، فلم يكن يؤلمنا كثيراً ما سُرق منا رغم أنه عمرنا ذاته!


فاليوم إن عصرنا هذا هو عصر السرعة، فكل شيء فيه تغيَّر، وصارت التقنيات الحديثة بمتناول الأيادي، لذلك ازداد العمل وزاد معه الإنتاج وتطورت الصناعة وكل هذا ما يجعلنا نشعر أن الزمن يسرع والوقت لدينا صار ضيقا لنزور صديقا ما أو قريبا أو نجتمع من الأهل، فلم تعد الحياة كسابق عهدنا، فالرسالة التي كانت تستغرق أسابيع وربما أشهر لتصلنا من صديق بعيد، صارت تصلنا بثوانٍ معدودة، وقس على ذلك المواصلات وبقية الوسائل التي نستخدمها في الحياة، لذلك نحس أن الزمن صار قصيرا والوقت صار ضيقا...

ونبقى نقول: أن الزمن يسرقنا، لكنّ هذا في الحقيقة غير صحيح، نحن نسرق زمن أنفسنا بإضاعته إما بالعمل الزائد أو بالعمل غير المجدي نفعًا، أو أن هناك من يسرق منا هذا الزمن ويتركنا لاهثين وراء لقمة العيش لتحصيلها، مما يدعنا نشعر بضيق الوقت، لأننا في هذه الحالة لا نجد وفتا للراحة ولا وقتا للتمتع بالحياة..فتنقلب الحياة نكدا وهَمًّا وغمّا... 

تحطمت آمالنا وتكسرت حواملها وتكرر خيبات الأمل فينا وعشنا تجارب قاسية في هذه الحياة، فأصبح تعاملنا مع الزمن متناقضًا فمرة نريده أن يتسارع لتنتهي المعاناة ومرة نريده أن يتباطأ لنعيش لحظات انتظار تحقيق أحلامنا ومرة نريده أن يتوقف كي نستطيع رؤية من حولنا أو الذين أُبعدوا عنا...

ونبقى في هذا الزمان بين مدٍّ وجزر، الماضي بحلاوته وذكراه الجميلة، لأنه لدى أيٍّ منا كان أجمل من الحاضر، المليء بالأتراح والتناقضات والشغب، والمستقبل المبهم التفاصيل والمرعب كما نتوقع ولهذا نعيش حاضرنا بقلق وهواجس مخيفة لا تدعنا نشعر بالاستقرار والمتعة، حتى ولو ضحكنا وهزّرنا مع أولادنا، لكن في الحقيقة لا تفارق صدورنا الغصة التي نشعر بها بناء على ما نواجه من مصاعب الحياة ومشاكلها وخاصة ما يجري من اقتتال في بلادنا وتهجير منها، وكأننا نراقب أنفاسنا الأخيرة التي قد تأتينا في أي لحظة نتيجة القهر الذي نعانيه والألم الذي يحز في القلوب وهذا ما يؤثر بشكل كبير على هذا الشعور بعدم الطمأنينة والراحة النفسية، لكن ما يطمئن نفوسنا ويجعلنا نشعر بالسعادة أحيانا ونواصل الحياة بهدوء هو تواصلنا مع أحبتنا والتقرب منهم وسمع نبضات قلوبهم الصادقة، هذا قد يكون سببا في بقائنا صامدين في وجه هذه العواصف والتحديات التي تعصف بحياتنا من كل جانب ...


نعم، هكذا تمضي الحياةُ ونحنُ غافلونَ.. أبناؤنا يكبرون، آباؤنا يهرمون، ومَن نحبُّ يذهبون مِن أمامِ أعينِنا، ولا نشعرُ بذلكَ بمرورِ السنينَ، فلا نعطي المواقفَ حقَّها ولا الأيامَ، ولا نعطي أنفسَنا حقَّها!


من الناحية العلمية يبدو الزمن وكأنه يمر بسرعة عندما تكون كثافة التجربة لكل وحدة زمنية معيارية أقل من الطبيعي، كما أن انضغاط الوقت هذا يحدث عندما ننظر إلى ماضينا البعيد أو القريب، وهما حالتان تضغطان إدراكنا بمرور الزمن(مما يسرع مروره).

على سبيل المثال ترتفع كثافة التجربة عندما يحدث العديد من الأمور، موضوعيا -كما هو الحال في مواجهة قتالية- ومع ذلك، كثافة التجربة قد تكون بذات الارتفاع عندما لا يحدث أي شيء تقريبا

(كما هو الحال في العزل الانفرادي)،

فالسجون التي غيّبت مئات الآلاف أو الملايين في العالم، بعضهم بذنب وبعضهم بدون ذنب، وهؤلاء هم من سُرق زمنهم كله...

كم هناك من العاطلين عن العمل في هذا العالم رغم حصولهم على الشهادات، وتوظيف من لا يستحقون مكانهم ، أليس هناك إذًا من يسرق زمنهم !؟

كم هناك من المغيبين قسرا، والمشردين قسرا، في العالم، أليس هناك من سرقَ زمنهم !؟

وهناك مثل هذه الأمور الكثير الكثير...!

إذًا هنالك ما يبدو وأنه مدة زمنية "ميتة" يملؤها في الواقع استغراقنا الذاتي في الذات والظرف الذي نحن فيه، كأن نستغرق في التفكير بتصرفاتنا أو الأمور التي تجري حولنا، نفكر في كمّ الضغط الناجم عن ظروفنا أو يشغلنا مدى بطء مرور الزمن.

لكننا جميعا نكون قادرين على التأقلم في نهاية الأمر -بمن فينا الأطفال- من خلال التأقلم مع وحدات زمنية معيارية، ألا وهي الدقائق والساعات وأيام الأسبوع، وعلى الرغم من فاعلية هذا النظام إلا أن ثمة فارقا كبيرا في طريقة إدراكنا لمرور الزمن أي مدى سرعة وبطء مرور الزمن، فقد تمر دقائق معدودة علينا كما لو أنها "الأبد" عندما نكون في انتظار ضوء إشارة المرور الأخضر، أو قد يصدمنا أحيانا أن تكون السنة قد شارفت على النهاية.


أخيرا يمكننا القول أن الحياة سريعةٌ ومخيفةٌ، كقصةٍ ومسرحيةٍ نعيشُها ولا ندركُها إلَّا في مشاهدِها الأخيرةِ.. قد نذكرُ مواقفَ قديمةً في طفولتِنا، فنشعرُ وكأنها بالأمسِ، وقد مضتْ عليها سنواتٌ عديدةٌ.. 

كانت طفولتُنا تمشي علىٰ مهلٍ بعفويتِنا وبراءتِنا، وها هي الأيامُ الآنَ تمشي كسرعةِ البرقِ.


وبالتالي يمكن القول إنّ ما ذهبَ لن يعودَ؛ لذلك فلِنَغتنمْ أيامَّنا معَ مَن نحبّ، فها هي السنواتُ تمضي بسرعةٍ مخيفةٍ، وتتكدَّسُ سنواتُ عمرِنا دونَ أنْ نحافظَ على أرواحِنا بأنْ نعطيَها حقَّها؛ لذلك من واجبنا ألا نظلمُها، ولا نؤذيها أو نمشي بها بطريقٍ لا يناسبُها، فعلينا أنْ نفهمَ مرورَ الحياةِ وندركَه؛ فلا نجعلها روتينًا مملًّا دونَ أثرٍ، فقد مرَّ بالحياةِ الكثيرُ وذهبوا وتمنَّوْا أن تعودَ بهم الحياةُ التي مضت في أعينِهم كلمحِ البصرِ.


 فما أجمل أن يسرقنا فضاء جميل لشخص نحبه أو نعشقه وحينها 

سيسعدنا التحليق في أجوائه..!!

وما أجمل أن يسرقَ منا زمنَنا القريبون من أرواحنا....!

فهم لنا فيئاً رائعاً وظلا ظليلا ..

ليجمعَنا بهم.. رُقيُْ الحرف و ودُّ الكلمة...

ما أروعنا ونحن نعيد لأنفسنا بعضًا من هذا الزمن المسروق من سجل حياتنا الدافئة... ونتذكر ما مرَّ فيه من سعادة مختزنة وفرح بهيج..!

 ما أروع أن يسرقَ قلوبَنا فقط هم الذين يحبوننا، لنستمتع بضربات قلوبهم التي توقظ فينا شعور المحبة وشعور السعادة والتي هي نبض الأمان ونبض السلامة والطمأنينة..!!


🌿🌹🌸🌼💐


زياد اليوسف 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلام على تلك العيون… بقلم الشاعر اسماعيل هريدي

قصيدة بعنوان شييطان الشعر**بقلم الاستاذ عماد صابوني وشارك بالردود الاساتذة ثريا العبيدي **ندى الروح**اميرة الحياة**ليلى الجلالي

قصيدة //اين انتم يا عرب ؟؟؟؟؟ااالشاعر عبد النور اوشام محمد كوبا

خبز التنور // بقلم الكاتب والشاعرمصطفى مزريب.أبوبسام جبلة.سورية

قصيدة من الزجل الروحي: بشائر النصر.** بقلم**الحسن العبد بن محمد الحياني

عتبي عليك يا زمن ...بقلم... علي حسن

اضناني الشوق ........بقلم الشاعرة فاطمة الفاهوم

چلمه.. چلمه... بقلم الشاعر...علي الخليفاوي

حوار مع العراف/// الشاعر /// السيد سعيد سالم

أُحبك ///بقلم الشاعرة///بقلم امل ابو سل