قصة بعنوان دعد وميساء//بقلم الاستاذ زياد اليوسف


دعــــــدٌ وميســـــــاء


    دعد وميساء فتاتان جميلتان جدًّا، صديقتان وجامعيتان في السنة الأخيرة من الدراسة، وتدرسان في كلية الآداب، دعد اختارت اللغة العربية بينما ميساء أخذت مسارَها في اللغة الإنكليزية، ولكلٍّ منهما قصة حبّ، دعد وقعت في حبّ أستاذ لها في الكلية هو الدكتور نبيل، بينما ميساء أحبّت الشاب وحيد الذي هو الآن في السنة الأخيرة من دراسة الماجستير في نفس الكلية...

   جلستْ دعدُ في مقهى الجامعة؟ تنتظر صديقتها ميساء الخلوقةُ الرائعة، جاءت ميساء وكأنَّ في عينيها البراقتين كلاما سيُقال…

دعد: أخبريني يا عزيزتي، ماذا في جعبتك اليومَ من أخبار؟ في عينيك أخبارٌ وعلى شفتيك سؤال! 

ميساء: نعم يا دعد، تعرفين قصة وحيد معي وحبّه الشديد لي، البارحة جاءني بخبر، أنه سيتقدّم لي بخطبة رسمية بعد التخرج، وعليَّ أن أتخذ القرار، وخاصة أنه في الجهة الأخرى هناك أمي طرحت عليّ فكرة الزواج من ابن خالتي الذي تخرّج هذا العام من كلية الهندسة، حيث أن خالتي طلبت منها ذلك أكثر من مرة، ودائما كنت أقول لها لا أتزوج قبل أن أنهي دراستي، وهو أيضا شاب مهذب ولطيف, لذلك أنا في هذه اللحظة أصبحت أشعر أن اتخاذ القرار ليس بالأمر السهل، هو ظاهريًّا, أي وحيد, يبدو عليه وسيمًا وجذّابا، وتعرفين كم هو شديد التعلق بي، لكن ليس كل ما يبرق ذهبا يا صديقتي أليس كذلك؟! 

دعد: صحيح يا ميساء وكما يقولون: "تحت السواهي دواهي"، لا ترتبطي به قبل ان تتأكدي من حسن خُلقه وأخلاقه، اسألي المعارف والأصدقاء عنه وعن أهله بشكل جيد...

ميساء: صحيح ما قلتِه يا عزيزتي، يجب أن أسأل عنه بشكل جيد قبل اتخاذ أي قرار. 

وماذا عنك وعن الدكتور نبيل يا دعد؟ 

دعد: إنه كما تعرفين هو دكتوري المفضل، سأحكي لك عن آخر لقاء تمّ اليوم بيني وبينه في مكتبه، لكن اليوم قد تأخرنا وعلينا الذهاب لبيوتنا، إن تأخرَّنا سوف يقلق علينا الأهل، أليس كذلك؟! 

ميساء: طيب هيا بنا يا عزيزتي، لكن لا تنسي أن تحكي لي غدا كل شيء بالتفصيل..

دعد: إن شاء الله.

   خرجتا معا وتمشيتا داخل الحرم الجامعي بين الكليات إلى أن وصلتا قرب البوابة الرئيسية للجامعة وفجأة وإذا بسيارة الدكتور نبيل توقفت بجانبهما وأشار إليهما بالصعود ليوصلهما بطريقه إلى بيتيهما، خجلت دعد كثيرا، التفتت يمنةً ويسرة لترى إن تواجد هناك بالقرب منهم طلاب هم في صفها أم لا، فرأت بعضا من زملائها على مسافة ليست بالبعيدة كثيرا، فأبَتْ أن تصعد مع دكتورها في السيارة واعتذرت منه قائلة: إننا على موعد مع زميلاتنا هنا خارج الجامعة يا دكتور، بارك الله بك ولا حرمنا من كرمِكَ ونبلِك!! 

فتركهما الدكتور وتابع سيره. 

ميساء: إن الدكتور نبيل هو نبيلٌ ومحترم، واسم على مسمى يا دعد…, عندما يصل الرجل إلى هذا العمر يكون قد اكتمل عقله ونضج وخاضَ من التجارب مع البشر بما فيه الكفاية وهذا ما يجعله واثقًا من نفسه في إدارة الحياة وتدبّر أمورها. 

   نظرت دعد إلى ميساء واغرورقت عيناها بالدموع، تسارع نبضُ قلبها، مسكت يدَ ميساء ووضعتها على صدرها، وقالت: اسمعي يا ميساء، هل سمعت؟! إنه قلبي يدقّ.. 

آه يا ميساء ما أجمل الحب النقي!...  

   ابتسمت ميساء وقالت لها: أنا بشوق كثير لتحدثيني عما جرى بينكما يا دعد.. 

كأن قلوب العشاق تسمع وترى وتحسّ وتنبض، وتفهم بعضها بالنبض!! يا لنبض الحب، ما أجمله من شعور! 

وكأنَّ المشاعرَ تلامس القلوب وتعزف لحنَ الحبّ!

كان الدكتور نبيل شخصا متَّزنًا وواعيًا ولا يتصرف بغباء، لكن هو الآخر لديه قصة مؤثرة سنتعرف عليها لاحقًا. 

دعد وميساء تابعتا مشيهما معًا بعد خروجهما من بوابة الجامعة ثم افترقتا على أمل اللقاء في اليوم التالي في الجامعة.. 

وصلت دعد منزلها، فتحت أمُّها (أم أحمد) لها الباب، اهلا بك ابنتي، قالت الأم، وبك أكثر يا أمي ردت دعد وهي مبتسمةً فرحة ولا يزال قلبها ينبض حبّا ووجهُها يزهر وردًا، رأت أمها أن حالة دعد ليست كما اعتادت عليها، رأت البهجةَ تعجُّ في صدرِ ابنتها وإحساسُ الأم لا يخيب، رأت في عينيها الفرحَ والسرور، سألتها عن سبب فرحها: وكأنكِ اليوم يا ابنتي متفوقة في فحصٍ او مذاكرة، أخبريني يا دعد يا حبيبتي؟! 

ردت دعد: لا يا أمي، القصة أن الدكتور نبيل، الذي كلمتك عنه في بداية العام يهتم بي ويميزني في المعاملة عن باقي طلاب صفّي، اعترف اليوم بحبه لي، وأوصاني وأكدَّ عليَّ ألّا أرتبط بأحد غيره، قاطعتها أمها على الفور: يا ابنتي أما قلتِ لي أنه متزوجٌ من امرأة روسية وجميلةٍ أيضا، فكيف ستدخلين على بيتِ رجلٍ عنده امرأةٌ وأولاد وتنكدين عليهم عيشَهم، أَأنتِ طائشة يا ابنتي، لا أسمح لك أن تتصرفي هكذا تصرف أبدًا، أنتِ من أجمل البنات في المدينة وألف ألف شخص يتمنى التقرب منك يا ابنتي.

دعد: يا أماه، أنا لن أقبل به وهو في هذه الحالة.. 

أم أحمد: إذًا كيف يا ابنتي؟

دعد: لا تقلقي عليّ يا أمي أنا لن أتصرف إلا ما يَطيبُ لخاطري وما يرضي كل العائلة.. 

سأحكي لك خلال السهرة عن الدكتور نبيل، أنا الآن مرهقةٌ ومتعبة، سأذهب أولا لأستحمّ ثم إنني جائعة أريد أن آكلَ وبعد ذلك سأرتاح قليلا.   

أم أحمد: تماما يا ابنتي الطعام جاهز سأحضره لك في المطبخ، ريثما تعودين من الحمام. 

أما عن ميساء، فعند وصولها للبيت، لم يكن أحد فيه، فتحت باب المنزل بمفتاح لديها ودخلت، وضعت محفظتها وما تحمله معها من كراسّاتٍ جانبًا، وألقت نظرة على المطبخ، فوجدت ورقة على الطاولة مكتوب عليها " ابنتي الغالية الطعام جاهز يمكنك تحضيره لنفسك، نحن الحمد لله أكلنا وخرجنا لشراء بعض الحاجيات اللازمة والضرورية، وقريبا سنعود بعون الله، وفي أسفل الكتابة التوقيع أم إلياس. 

دخلت ميساء إلى الحمام استحمت بشكل سريع، ثم تناولت طعامها وبعد ذلك استلقت على سريرها لترتاحَ قليلا. وقبل غروب الشمس رنّ جرس هاتفها النقال...

- الو... مساء الورد يا ميساء.

- مساء النور وحيد. كيف حالك، طمني عنك.

- الحمد لله أنا بخير، هل ترغبينَ بالخروج معي في مشوار على كورنيش المدينة؟ 

- نعم يا وحيد أودُّ ذلك، لكن عليّ الانتظار ريثما يصل أهلي، فهم الآن خارج البيت. 

- تمام أنا بانتظار أي إشارة منك حبيبتي.

- أوكي.   

   صار المساء وأم أحمد تنتظر بفارغ الصبر ابنتها دعد لتحكي لها عن الدكتور نبيل، تركت أبو أحمد في صالة الجلوس يشاهد لوحده التلفاز، وذهبت إلى غرفة دعد، طرقت باب الغرفة بهدوء ودخلت، جلست بجانب ابنتها دعد على السرير وقالت لها هيّا احكي لي كل شيء من الألف إلى الياء، ماذا أردتِ أن تقولي لي عن الدكتور نبيل؟ 

   ابتسمت دعد وقالت: أمي، الدكتور نبيل وفي آخر لقاءٍ معه في مكتبه صارَحَني بحبِّه وتعلقه الشديد بي وقال لي أنه سيتزوجني العام القادم وأكون أنا قد تخرجت هذا العام إن شاء الله. 

أم أحمد: لا يجوز ذلك يا ابنتي، هو رجل متزوج! 

دعد: أمي، هذا صحيح، لكنه هو على خلافٍ مع زوجته منذ أن جاء بها إلى بلدنا، لم يَطِبْ لها العيشُ هنا، ولا في أي بلدٍ عربي آخر!

قاطعتها أم أحمد قائلة: أوليس عندهما أولاد؟ 

دعد: دعيني أكمل لك يا أمي، ارتبط بزوجته مذ كان في أوربا عندما كان يحضِّر لشهادة الدكتوراة، ورزقهما الله ببنت وولد، كان يتصورُ بينه وبين نفسه أنه بعد أن يأتي بها إلى بلدنا ستتأقلم مع طباع شعوبنا وعاداتهم، حتى أنه كان يظنّ أنها ستعتنق دين الإسلام ويكون بذلك قد عمل خيرا، فلا حصل هذا ولا ذاك.... 

   ذهب للعمل في دول الخليج وبالتحديد في السعودية كان بودِّه أن يقرِّبَها إلى الله أكثر، فحجَّ إلى بيت الله الحرام وأخذها وطفليهما معه، لكن دون جدوى، عاشوا هناك بضع سنوات، كان يحسُّ في داخله أن الحياة بينهما لن تدومَ طويلًا، وأنهما عاجلًا أم آجلًا، هما على مفترق طرق وكلٌّ سيذهب في طريقه، لكنه كان ينتظر حتى يكبرَ ولداه ويدخلا في الجامعات التي يريدانها، عندئذ هو سيقرر الانفصال عنها، وحسب قوله لي أنها هي بدورها تودُّ لو ترجع لبلادها بعد أن يدخلَ ولداهما الجامعة، وهذا ما حصل يا أمي في هذا العام سيبعث ابنته للدراسة في أوربا ، وفي العام القادم سيرسل أخاها وراءها, وبعدها سترجع زوجته إلى موطنها الأصلي وبعدها سيتزوجني, وسيأخذني معه للعمل مجددا في بلاد الحرمين الشريفين، لأنه ما يزال على تواصل مع المسؤولين هناك في الجامعات.

أم أحمد: آها .... طيب يا ابنتي وبالنسبة لعمره، أليس أكبر منك بكثير؟!

دعد: أمي، هو رجل نشيط ولا يبدو عليه ذلك العمر الكبير، ثم يا أمي الأعمار بيد الله، ربما يعمّر أكثر منا. 

أم أحمد: ابنتي أنا أعرف أنك ذكية وتعرفين كيف تختارين طريق حياتك، لكن سأطرح الموضوع على والدك ولنرى ماهي وجهة نظره.

   في هذه الأثناء كانت ميساء قد استأذنت والداها بعد رجوعِهما للمنزل وذهبت لملاقاة صديقها وحيد على الكورنيش بعد أن اتفقت معه على موعدِ ومكان اللقاء، غير أن أمها كانت قلقة وغير مطمئنة من علاقتها مع وحيد، كانت تريدها أن تبقى لابن أختها المهندس، الذي هو أيضا يتمناها أن تكون عروسته في المستقبل، لكن سبقه وحيدٌ برمْيِ سنارتِه. 

   التقيا هناك وتوجها مباشرة إلى مقهى جميل مدّ أطنابَه بقرب شاطئٍ رمليٍّ رائع له إطلالات فسيحة باتجاه البحر، والقمر يطلُّ من السماء بوجهه الفضّي الجميل، ويداعب سطحَ البحر بصورته المرسومة على سطحه، يا لروعة المكان والزمان، عندما يجتمع البحر والقمر والليل!... 

   جلسا في هذا المكان والقمر ثالثهما هو الشاهدُ الصامت منذ ملايينِ السنين ولملايينٍ من البشر ولا يبوح بسرِّه لأحد، ولا شكّ أن رؤيته هذه تبعث على التفاؤل والأمل والسرور...

   طلبا فنجانين من القهوة وبدَآ بالحديث بداية عن الدراسة في الجامعة، ثم تدرجا في الحديث مرورا بجمال القمر والطبيعة، بسكون الليل وصمت القمر ونكهة القهوة حيث يكمن الجمال في هذا الاجتماع السحري الجميل، وانتهاءً بعبارات الحب والعشق والجمال التي أضْفَت على هذه الجلسة طابعا رومانسيّا، حيث تبادلا خلالها العبارات اللطيفة والمعبرة عن الحب الذي يتطور بينهما. وفي ظل هذا الجو الجميل اعترف وحيد لميساء بحبّه وإعجابه بها تمييزًا لها عن بقية الطالبات في الجامعة، حيث رأى فيها الفتاة الخلوقة المهذبة والجميلة الهادئة التي يعشقها وأكد لها أيضا أنه سيقدم على خطبتها بعد تخرجها. 

   ميساء لم تكن في بداية الأمر بهذا الشغف الذي بدا على وحيد من خلال تصرفاته، لكن أحبَّته كثيرا من خلال تعلقه واهتمامه بها، ولا يزال التردد يسيطر على عقلها من خلال تصرفاتها، فقالت له سأخبر أهلي أولًا لأرى ماهي وجهة نظرهم.

   لكن وفي وسط هذه الأجواء الرومانسية والكلام العذب الذي أحاطَها به وحيد بدأت تشعر بالتقرب منه عاطفيا شيئا فشيئا، وخاصة أنه تحت ضوء القمر الزاهي تتلألأُ الأشياء الليلية في هدوءٍ شديد فتنتشر السكينة والجمال وتتلألأُ العيون الناظرة لبعضها بتأمّلٍ ووعود، حتى أن القمر يكاد يغار من العشاق وهم يتهامسون تحت ضوئِه الساحر.

   مكثا هناك في هذا الجو الرائع أكثر من ساعة وأزفتِ السهرة على الانتهاء، لأن ميساء لا تريد أن تتأخّر أكثر من ذلك كما وعدت والديها قبل خروجها من البيت.

   عاد كل منهما إلى بيته على أمل اللقاء في الأيام القادمة في الجامعة أو في أي مكان آخر يرغبان به. 

   في صباح اليوم التالي التقت دعد بصديقتها ميساء في الكلية، كل منهما ذهبت لقاعتها المخصصة لحضور المحاضرات، وفي فترة الظهيرة توجهتا للاستراحة وجلستا فيها بعد أن طلبتا فنجانين من القهوة وقطعتين من الكيك وجيءَ بطلبهما بعد قليل... 

   بدأت ميساء بالكلام: إي يا عزيزتي، حدثيني عن قصة الغرام تلك التي بينك وبين الدكتور نبيل. قرأت ذلك في عينيكِ البارحة عندما التقيناه عند بوابة الجامعة. 

- وأنت حدثيني عن وحيد. 

- لا، أنا من طلبت أولًا. 

- فعلا وكأن ذلك الشعور الجميل بدا على ملامحي فورًا وما تمكّنت من إخفائه، لأنه حال وصولي للبيت أمي أيضا لاحظت عليَّ ذلك، ولم أكتمْها سرا، ففي جلسة المساء صارحتها بكل شيء وشرحت لها كل شيء بالتفصيل. 

- ومتى ستشرحين لي يا عزيزتي، لم أعد أحتمل صبرا.

- سأحكي لك يا ميساء لا تستعجلي: (....، وفعلا حكت لها كل الذي شرحته لوالدتها عن الدكتور نبيل وكيف أنها صارت مقتنعة بالارتباط به). 

وماذا عنك قولي، ما أخبارك مع وحيد، هل هناك من تطور؟

- نعم يا دعد البارحة اتصل بي والتقينا وجلسنا على شاطئ البحر جلسة رومانسية وكانت جميلة وممتعة، اعترف لي بحبه، وكان الجو في غاية الروعة والجمال، وأنا بصراحة بعد ذلك اللقاء صرت أشعر أن المسافات صارت تتلاشى بيني وبينه، وبقي شيءٌ وحيد هو أن يسألَ أهلي أصحابَهم عنه وعن أهله وماهي صفاتهم وأخلاقهم إلى ما هنالك من أمور أخرى.

- انظري إلى اليسار قليلا، ها هو قادم إلينا! 

نظرت ميساء بلفتة خاطفة فرأته فعلا، احمرّ وجهها قليلا وعدّلت من جلستها، وها هو قد وصل.

- السلام عليكم، كيف الصبايا، طمئنوني عنكما... ميساء، دعد!

- ردّتا بصوتٍ كأنه واحد نحن بخير... تفضل. 

   فأراد أن يجرّ كرسيا من الجوار ليجلس عليه، فقامت دعد وطلبت منه أن يتراجع قائلة إن لديها بعض الأعمال في قسمها يجب إنجازُها قبل أن تغادرَ إلى البيت، وكان هدفها أن تتركهما معًا وتذهبَ لمكتب الدكتور نبيل.

- كيف حالك يا ميساء؟ 

- أنا بخير يا وحيد، وأنت كيف حالك؟ 

- الحمد لله، كيف قضيت ليلة البارحة؟ بالنسبة لي كانت ليلة من ليالي العمر، قلقت في الليل كثيرا ولم أنمْ إلا قليلا!

- كانت سهرة ممتعة وأنا كذلك قلقت.

   جلسا حوالي ساعة وهما يتبادلان مشاعر الحب والشوق بالكلمات والنظرات، فيتكلمان تارة ويسكتان تارة أخرى، فعندما تتعطل لغة الكلام أحيـاناً، تظهر هناك لغة أخرى هي لغة العيون التي هي أبلغ من أي كلام لتستجيبَ لها ابتساماتٌ تُرسم على الشفاه الساحرة.

   ثم أخذا طريقهما باتجاه مخرج الجامعة، وهناك افترقا على أمل اللقاء في كل يوم إن سمحتْ لهما الظروف.

   أما دعد فكانت قد توجهت لمكتب حبيب قلبها الدكتور نبيل الذي كان يتوقع مجيئها، كان قد هيأ لاستقبالها باقةً من الورد وضعها بمزهرية جميلة على الطاولة ويعبق المكان بشذى عطرها. بابُ غرفته كان مفتوحًا فدخلت دعد مباشرة وكأن كلَّ شيء مهيّأٌ لدخولها واستقبالها. سلّمت عليه ورد السلام بأحسن منه، نظرت إلى عينيه مبتسمةً، ثم نظرت إلى شفتيه المبتسمتين، وكأن حال لسانه يقول: تعالَ يا ساكنًا أنتَ في قلبي وفي ولهي، يا غصنَ شوقي الذي في مهجتي نبَتا، عينايَ من عينيكَ حتى الآن ما ارتوَتا! 

   جلست على الكنبة وقام هو الآخر من وراء مكتبه وجلس على الكنبة المقابلة ونظرا لبعضِهما بشوقٍ لا يمكن معه تَحمُّل الجلوسِ بهدوء، لكن الحكمة والعقل كانتا أرجح من العاطفة. 

سألها: متى أراك زوجتي يا دعدُ؟ وهذا السؤالٌ ذاب في شَفتي وسوف يبقى بها حتى أرانا معا تحت سقف واحد.

نظرت دعد إليه بعينين ساحرتين، وكأنها تريد أن تقول شيئا!

فقال لها: الآن تذكرت قول الشاعر أحمد قنديل في قصيدة حوارية بين عاشقين، إذْ قال: 

قال: في عينيك همسٌ _ وعلى فيكِ سؤالُ

وقبل أن يكمل الدكتور الحوار بقول الشاعر، ردّت دعدُ على الفور:

قلتُ: أحلى أمنياتي _ فيكَ.. ما ليس يُقالُ. 

استغرب الدكتور ردها السريع وقال: لقد عرف قلبي من يختار، اختارَ أذكى طالباتي في المسار!  

وكأنّ الحب بينهما قد بلغ الهُيام!، يا لروعة الحبّ والغرام يا لروعة العشق والهُيام!!

قال لها: وماذا تريدينَ قوله أيضا يا دعد؟ 

قالت: كنت أودّ أن أقول إليك بعد كل هذا الاهتمام الذي تبديه لي والتمني الذي ترجوه أن أكون زوجة لك، كنت أودّ أن أقول: أني أحبك، لقد دخلت إلى قلبي بصدق وعمق، وصرت أرى فيك فارس أحلامي المنشود، فخلف كل اهتمام يقبع الكثير من الحب والعشق، وهذا ما اكتشفته فيك يا أستاذي المبجّل، لكنني أنتظر موافقة أهلي. 

   فردّ الدكتور نبيل عليها قائلا: ليس كل من قال أحبّكِ فهو يحبك أيضا، فهناك المستغلّون والهوائيّون، ولكن كل من اهتم لأمرك ودخلتِ قلبه وعقله، فهو يحبك ويعشقك عشقًا سرمديًّا، لذلك أنت حبيبتي وستبقين حبيبتي حتى ألفظ أنفاسي الأخيرة.  

 دمعت عيناها وللعيون أسرارٌ لا يستطيع أيّ امرئٍ أن يعرفها أو يكشفها، وإنّ النظرات التي تبثُّها العيون والمشاعر الصادقة التي نلتمسها منها هي أصدق من الكلام. 

   لا شيءَ أجملُ من ابتسامةٍ تكافح للظهور ما بين الدموع، ابتسمت دعد تلك الابتسامة الجميلة التي داعبت مشاعر الدكتور نبيل، فقام وتناول منديلا واقترب منها ماسحًا دموعًا هطلت على خدّينِ مورّدَينِ كالتفاح، مسحها بكل لطف وحنان وقبّلها على رأسها، ابتسمت هذه المرة بدون دموع واستأذنته للمغادرة. سمحَ لها بذلك لأنه سيبقى في الكلية، فهو على موعدٍ آخر مع البعض من زملائه في القسم لإجراء بعض الترتيبات المعينة هناك. خرجت وكلها أمل بحياة سعيدة ومستقبل زاهر مع من استوطن قلبها.   

   وعند عودة دعد للبيت سألت أمها عن موافقة والدها بأن يتقدم الدكتور نبيل لخطبتها، قالت لها أمها والدك كان معارضًا في بداية الأمر، لكني أقنعته يا ابنتي كرمى لعينيك الجميلتين، أعرف أنك شُغفتِ بحبه، وما أردت أن أحرمك ممّا تحبين، وكما قلتِ فإن الأعمار بيدِ الله. 

   مرت الأيام ودارت الأيام والحب يكبر وينمو في قلوب العشاق، لقد انقضى العام، فأرسل الدكتور نبيل ابنه للدراسة في الخارج وليلتحق بأخته هناك، وجهزت زوجته نفسها للسفر إلى بلادها برضاها ورضا زوجها، وحصل الدكتور نبيل على عقد جديد للعمل في إحدى جامعات المملكة العربية السعودية، وقبل أن يسافر أراد أن يخطب دعد ويتزوجها، ثم سيأخذها معه للعمل هناك. 

   أما عن عائلة أبو إلياس فقد سألوا أصحابهم ومعارفهم عن بيت أهلِه لوحيد، فهناك من قال إنه لا يعرفونهم جيدا وهناك من قال إنهم بخلاء وهناك من قال أنّهم جيدون نوعا ما، وبناءً على ذلك فلا يزال القلق يعشعش في عقل ميساء والخوف من المجهول يسيطر على قلبها. 

   التقت ميساءُ وحيدًا وقالت له، بعد أن سألها عن قرارها الأخير حول خطبته لها، ما قاله بعض الناس، فانزعج جدًا وقال لها: إن هؤلاء الناس يحسدوننا لأننا أغنى منهم ويرون ممتلكاتنا هنا وهناك، وصار يبرر لها قول الناس ذلكَ عنهم. 

   نقلت ميساء هذا الكلام لأهلها، اقتنع أبو إلياس بقول وحيد، لكن أم إلياس خالفته، فقال لها: ربما لأنك تتعاطفين مع ابن اختك الذي أيضا هو تقدم لها من قبل. وبين مدًّ وجزر في العائلة قبلوا أن يتقدم وحيد لخطبتها، وبأنّ هذا أفضل من زواج الاقارب.

   أخبرت ميساء وحيدا بذلك، فأتى بوالديه وأفراد عائلته وتقدموا رسميا لخطبة ميساء. تمت الخطبة على أكمل وجه وبفرح شديد عبّرت عنه العائلتان، أَلْبَسَ كلٌّ من العروسين خاتمَ الخطبة للآخر وقُدّمت الهدايا للعروس من قبل العائلتين، بينما أجّلوا موعد الزفاف شهرًا آخر.

   بعد إتمام الخطبة وفي مساء اليوم التالي ذهب وحيد مصطحبا معه خطيبته الجميلة ميساء إلى إحدى المنتزهات القريبة ليقضيا أمسيةً جميلة ومجانية تُقام هناك في الهواء الطلق كل شهرٍ مرة في ليالِ الصيف الجميلة وسهرةً ممتعة بين أحضان الطبيعة على خرير الماء من الجداول وتمايل أغصان الورود والصفصاف، تذكرا معا سهرة الخطبة وما تخللها من نظرات وهمسات جميلة، ما كان يفهمها أحد سواهما، قال لها عندما كنت أنظر لعينيك البارحة كنت أذوب في سحريهما، ورأيت الحسن قد ولاك عرشه. 

قالت له: أحببتك جداً يا وحيد لدرجة أنّه عندما صرتَ تغيب عني يغيب معك كل شيء..

فردّ عليها: وأنت ستبقين في قلبي.. في حياتي للأبد، وكل ما أريده، أن أضمّ يديك نحو قلبي، فأنا أعشق روحك فقط لأنّها مختلفة عن أرواح بقية البشر. 

   وهكذا مرّت الأمسية الجميلة بسرعة لم يحسّا بزمنها كيف انقضى بهذه السرعة، لأن اللحظات السعيدة تنقضي من دون أن يشعر الإنسان بها ويصير حينها في القلوب نوع من الخفقان لا يُنسى.

   جاء موعد الزفاف للعروسين ميساء ووحيد، حضرت العائلتان والمقربون منهم وبعض الأصدقاء المدعوّين، كما وحضرت صديقتها الحميمة دعد وجميعهم قدموا الهدايا للعروسين وتمنوا لها حياة سعيدة مع زوجها وحيد، كما تمنت ميساء لدعد تحقيق كل أحلامها، وزُفَّت العروس الجميلة ميساء إلى بيت زوجها وحيد الذي تحقق حلمه أخيرا. 

   بعد أسبوع من زواجهما طلب وحيد من زوجته الانضمام للمدرسة التي صار يدرِّس فيها مع بداية العام الدراسي، لأنهم بحاجة لمدرِّسة باللغة الإنكليزية، ففعلت ما أراد، لكي يزداد دخلهم ويتحسن وضعهم المادي.

   توالت الأيام والأسابيع والأشهر، وبدأت حدة الشوق بينهما تخفّ، ولعلَّ امتلاك الشخص لما كان يتمناه هو سبب في إخماد نار الشوق، وهذا للأسف ما يحدث مع بعض الناس. شعرت ميساء بوجود بداية حمل معها، وهذا ما يستدعي أخذها للطبيب والتأكد من وجود حملٍ معها، غير أن وحيد صار يخفّفُ عنها شكوكها بذلك بأنه ربما معها آلامُ بردٍ أو ما شابه ذلك ولا داعي لدفع مصاريفٍ كثيرة للأطباء الطمّاعين.

   

   نفضَ الدكتور نبيل عن نفسه غبارَ الهمّ وعيش النكد، بعدما أمّنََ لولديه منحًا دراسية لدراسة الطب في الخارج وبعد أن ودّع زوجته الأولى وهي عائدة إلى بلادها، ليطلب يَدَ المنتظرةِ له على أحرِّ من الجمر، يدَ دعد الجميلة التي أخبرته أخيرًا بموافقة أهلها على الخطبة.

   دعا الدكتور دعدًا لِلقاءٍ بمكان ليس بعيدا عن بيتها، جاء إليها بسيارته، نزل من السيارة، تصافحا وفتح لها باب السيارة لتركب بجانبه وانطلقت السيارة بهما إلى ربوة ليست بعيدة عن المدينة، حيث هناك مطعم فاخر مطلٌّ على بحيرة رائعة بمنظر بهيّ يسلب الألباب. جلسا على طاولة في فسحة خارج المطعم بإطلالة مباشرة على جمال الطبيعة الخلاب، الذي يجمع بين اللونين الأخضر والأزرق والأزهار من حولهم بكل ألوانها وأشكالها. 

   وجيءَ بطبق الغداء المميّز الذي طلباه والذي يحتوي على أطيبِ أنواعِ الأسماك والسلطات والفواكه.

    أكلا بشهية واستمتعا بسماع الموسيقا الهادئة وتحدثا حول مشروع الخطبة والزواج بكل ما يلزم من تفاصيل، وحددا موعدا لذلك على ان يتم الأسبوع المقبل، وأنهيا يومهما بشرب القهوة وهما يشاهدان الغروب من أعلى نقطة في تلك الربوة مع التقاط بعض الصور الساحرة التذكارية، ثم استقلّا السيارة راجعين إلى المدينة بعد أن قضيا وقتا ممتعا لا يُنسى.

   بعد مرور أسبوع حلّ موعد فرح دعد ونبيل، حيث تمت الخطبة وبعدها بيومين تمَّ العرس وجهز العروسان  

كل ما يلزمهما لهذا الفرح ودعوا جميع معارفهم وأصحابهم لحضور الزفاف...

   بالفعل تم كلُّ ذلك على ما يرام وحضر الأهل والأقارب والأصحاب وأغلب المدعوّين، حاملين معهم الهدايا والزهور، كما حضرت ميساء مع زوجها وحيد، الجميع كانوا مسرورين ومبسوطين، غير أن ميساء كانت حزينة ومنزعجة من زوجها وحيد الذي لم يحمل معه أية هدية قيّمة أو أية زهرة، بل حمل معه هدية مغلفة, تبين لاحقا أنها عبارة عن كتاب من كتبه التي درسها في الماجستير, الذي انتهت صلاحيته ولم يعد يلزمه, مدّعيا أنّه كتاب قيّم والدكتور نبيل يحب الكتب الثقافية وخاصة باللغة الانكليزية التي من غير اختصاصه, كما لفت انتباه لميس أيضا في هذا الحفل هو السخاء الواضح في كل شيء، المكان الواسع الجميل في صالة أحد أجمل فنادق المدينة، كُثرة الضيوف الحاضرين، الأكلُ والشراب الموجودان كانا من أفخر الأنواع وأطيبها, وهذا ما أزعجها أكثر وأكثر. 

   تسارعت الأيام والأسابيع وجاء وقت الرحيل بالنسبة لدعد وزوجها الدكتور نبيل، فأخبرت دعد صديقتها ميساء بذلك ودَعَتْها لقضاء سهرةٍ معهم قبل السفر، وكان أهل دعد متواجدين هناك أيضا، وتمّت بالفعل تلبية الدعوة وجاءت ميساء مع زوجها وحيد، لكنها أرادت أولًا أن يذهبوا أولا لشراء هدية إلى بيت الدكتور نبيل لتبقى ذكرى يحملونها معهم، فأبى وحيد أيضا ذلك قائلًا إن المسافر لا يريد أن يأخذ شيئًا معه، وكانت حججه عندما ترغب ميساء بشراء أية حاجة جاهزةً فورا وإلّا سيتشاجران.. 

   رحبوا بهم أجمل ترحيب وقضوا معهم سهرة ممتعة تمّ فيها استعادة بعض الذكريات من أيام الدراسة في الجامعة. 

   وفي نهاية السهرة ودّعوا بعضهم بحرارة وعاد وحيد وميساء إلى البيت وعلامات الغضب واضحة على وجه ميساء بسبب تصرفاتية غير الأخلاقية. 

   في اليوم التالي سافر الدكتور نبيل مصطحبا معه حبيبة قلبه دعد إلى السعودية ليواصلوا هناك عملهم، حيث أمَّن لها أيضا عملا هناك بوظيفة إدارية.

   عادت الحياة من جديد إلى بيت الدكتور نبيل وشعَّ المكان بنور وجه دعد كما وصف ذلك الدكتور نبيل بقوله: نوّرتِ المكان يا حبيبتي دعد. 

فردَّت عليه: أنتظر لحظة قدومي هذه لتزهر وجنتايَ ويزهرَ قلبي، ويزهرَ طريقي لأتأمل عينيك، وأتأمل هذه الحياة بين ذراعيك يا حبيبي. أنت كما علمتني علمًا، علمتني حبًّا ليس له مثيل.

- حبيبتي إن أنوثتك هذه التي لا حدود لها، هي من علمتني مِعنى الحب وعلمتني كيف أتقن الحب، وإني لأعـشق تلك اللحظة عندما تتسلل مـلامحك فـي ذاكرتي فأراكِ أجمل نساء الأرض..  

بماذا أصفكِ، بماذا أشرح إحساسي نحوكِ!! وأنتِ من تغلغل حنانُكِ وأنوثتك وجمالك في أوردتي، وتسربت نسمات هواكِ في شراييني، بماذا أصفكِ وكل الحزن يتبدد بين راحتيكِ، يا من ترسمين بابتسامتكِ الفرح لقلبي والسعادة لروحي.. أنت الآن كل حياتي يا دعد يا حبيبتي!

- الآن أصبحت أشعر بالراحة والطمأنينة التي كنت أحلم بها، وأحمد الله أن حقق لي كل أحلامي بوجودي معك يا حبيبي. 

   وهكذا اجتمع الحبيبان العاشقان تحت سقف واحد وفي مكان عمل واحد، وهكذا أزهَرَتْ حياتهما وأصبحت الأحلام حقيقة. وتعلم الدكتور نبيل درسًا لن ينساه وسيعلمه لأولاده وأحفاده وحتى لطلابه أن يتزوجوا من بنات ملّتِهم وطينتِهم، فهنَّ أصبرُ وأوفى وأنّ بنات بلدنا مخلوقاتٌ من ذهب.

   ذهبت ميساء إلى أهلها تشكو لأمها تقصير وحيد معها بعدم أخذها إلى الطبيب لفحصها. وقالت لها ربما أنا أكون حاملا يا أمي، تفاجأت الأم وذهبت غاضبة إلى أبو إلياس تستنكر اختياره هذا النذل البخيل عروسًا لابنته، قالت له: لم تسمع كلامي عندما أردتها لابن أختي المهندس الخلوق، غرّتك مظاهر الناس وأشكالهم، طمعت بشركاتهم وعقاراتهم. انظر ابنتك تتألم منذ أكثر من شهر، وهي تظن بنفسها أنها حامل، ولا يأخذها هذا الخسيس البخيل إلى الطبيب. انهض من مكانك لنأخذها إلى الطبيب حالًا، لنطمئن على صحتها وصحة جنينها.  

   قام أبو إلياس حالًا من مكانه قائلًا: حسبنا الله ونعم الوكيل، ومن يعلم بالغيب يا أم إلياس، هيّا أنا سألبس وآتيكم حالًا. لبسَ أبو إلياس بِذلَتَهُ وشغّل سيارته وأخذاها هو وأم إلياس إلى الطبيب. 

   أكد الطبيب حملها وأعطاها الدواء المناسب، ورجعت ميساء وأهلها إلى البيت. جاء وحيد إلى بيت عمه ليأخذ زوجته بعد أن شعر أنها تأخرت، لم يدرِ أنها ذهبت بمعيّة أهلها إلى الطبيب.

   دخل بيتَ عمه أبي إلياس، فوبّخه عمُّه أيمّا توبيخ، وكذا فعلت أم إلياس التي أرادت ألّا تعطِه ميساء بعد الآن، فاعتذر جدًا وأقسم ألا يكرر فعلته الشنعاء هذه، وبعد ذلك أعطوها له وبشقِّ الأنفس.  

   أمضت ميساء معه بقية الأيام والأشهر بحزن شديد وندمٍ أشدّ، لأنه لم يتراجع عن بخله وشحه، فكلما طلبت منه طلبا ما لأكلة تشتهتها أو شراب تمنّت شربه أو لباس أحبّت ارتداءَه، كان يتملّص من هذا الطلب بأوهى الحجج والمبررات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وميساء تصبر وتصابر، وتعلل نفسها بالأمل الذي ترجوه دائما من الله أن يصلح بال زوجها ويهديه إلى جادة الصواب. 

   في ذات فجر استدعى وحيد حماته أم إلياس لتبقى بجانب ميساء التي نُقلت إلى مشفى التوليد في المدينة، وكان المولود أنثى، طفلة صغيرة كان وجهها مثل وجه القمر، ضمتها ميساء إلى صدرها وقبلتها، وكذلك فعلت الجدّة أم إلياس قبلت حفيدتها وابنتها وحمدت الله على سلامتهن، ثم جاء وحيد بأمه أيضا وفرحوا جميعا بما رزقهم الله. وطلبت ميساء من وحيد ان يسميها قمرا، وقد سُمّيت ذلك فعلا.

   توالت الأيام والأشهر وميساء تعاني من شحٍّ في الأموال، فهي تصرف مما هو موفّرٌ لديها في جِزدانِها، وأحيانا من عند أهلها، لأنهم صاروا يعرفون زوجها جيدا، ولم يثقوا بوعوده، لكنهم احتسبوا أمرهم لله. 

   مرضت قمر ذات مرة كما يمرض كل الأطفال، صاحت له ميساء تعال يا وحيد لنأخذ قمر للطبيب، إن حرارتها عالية، فرد عليها قائلا: ضعي لها كمادات مبلولةً بالمياه المثلجة على جبينها وعلى بطنها فسترتاح إن شاء الله . 

قالت له ميساء: ليتكَ بمكانها يا قليل الشفقة، أَلهذه الدرجة أنتم أيها البخلاء تقسون على أولادكم وأزواجكم وحتى على أنفسكم. لا نامت أعين البخلاء. 

احتسبت أمرها لله وأخذتها لوالدها ليحملاها إلى الطبيب، ذهب أبو إلياس وهو غاضب مستاء من ذلك الوغد الجبان وكشف الطبيب على الطفلة وفحصها وأعطاها ما يتطلب مرضها من علاج. 

   خبِرتْ هناك دعد وهي بالسعودية بولادة ميساء لقمر، ففرحت لصديقتها فرحا شديدا، وباركت لها هاتفيا بمولودتها الجديدة قمر. سألتها عن صحتها وعن أخبارها وعن حياتها بشكل عام.

ميساء: ليتنا بقينا بدون زواج يا دعد.

دعد: ولِمَ يا ميساء، هل حدث شيء؟!

ميساء: لا، لم يحدث شيء الحمد لله، لكن تكاليف الحياة باهظة والمصاريف كَبُرت وتربية البنت صارت مكلفة وتتطلب العناية والاهتمام وهذا لوحده همٌّ كبير، فكيف لو صار لدينا ولدٌ آخر أو ولدان، وغصّت بالبكاء....

دعد: ما لكِ يا ميساء؟ أخبريني هل حدث لك شيء؟ 

ميساء: بعد أن مسحت دموعها، نعم يا صديقتي، لقد حدثت أشياءٌ كثيرة، كم كنا نخاف من أولئك اللّماعين البرّاقين، كم كنا نقول: يا ما تحت السواهي دواهي...! لقد وقعت الفأس في رأسي أنا يا عزيزتي.

دعد: أوضحي لي يا ميساء، اشرحي لي بالتفصيل.

ميساء: خدعني وحيد يا ميساء في كل هذه السنين الدراسية بمظهره ووسامته الخادعة، وكذبه وافتخاره بنفسه وبأهله، لقد ظهرت كل عيوبه بعد الزواج، لقد نسي الجاحظ أن يذكر اسمه في كتابه البخلاء. 

لا أظني أن أستمر معه وهو باقٍ على هذه الحالة.  

دعد: اصبري يا صديقتي وما بعد الصبر إلا الفرج. نسأل الله أن يبدل أحواله للأفضل.

ميساء: أشكرك يا صديقتي. نسيت أن اسألك عن أحوالك، عن صحتك وعن زوجك، طمئنيني إن شاء الله كل شيء بخير؟ 

دعد: نعم يا ميساء، الحمد لله جميعنا بخير ونتمنى لكم السعادة والوفاق والوئام، وأريد أن أخبرك أيضا أني حامل وفي الشهر الثاني!

ميساء: مبارك يا صديقتي، أفرحتِني جدَا بهذا الخبر والله. أتمنى من الله أن يتمّم حملك على خير ويرزقك ما تحبين وتتمنّين. 

كان وحيد خارج البيت وجاء ليسأل ميساء وهو ببرودة أعصابه كلها: كيف حال قمر يا ميساء؟ هل أعطاها الطبيب دواءً؟

ميساء: لم يعطِها، قال: يكفي لها أن تضعوا كمادات بمياه مثلجة على جبينها وعلى بطنها! 

وحيد: أما قلتُ لكِ ذلك يا غبية!

ميساء: لعنة الله عليك أيها الأحمق الخسيس البخيل، لو كنا متأخرين عليها ساعات قليلة لماتت بين أيدينا، لماذا لم تدرس الطب أنت "آ" أَجِبْني!

غربَ وحيد عن وجهها، لأنه لو بقيَ كانت ستضربه هذه المرة.

ثم عاد وقال: ما لكِ يا ميساء؟ لا أراكِ طبيعية ماذا حصل، ولِمَ كل هذا الانزعاج؟

ميساء: ومتى أنت رأيتني طبيعية أيها الحكيم؟

   ولم تعدْ ميساء تحتمل السكوت، فردّتْ بسرعة أيضا: نعم يا وحيد حصلت أشياء كثيرة، إن وحيد الذي كنت أعرفه قبل زواجنا ليس هو ذاته بعد الزواج، كل الوعود التي كنتَ توعدني بها ذهبت أدراج الرياح، خدعتني بأحلامك التي كانت بين الحين والآخر تومض نسائمَ أحلام، كنت أخالُها آتيةً عبر وعودك، وإذا بي أراها كالبرق الخُلَّب. 

- أنتِ تعرفين يا ميساء كم ظروف الحياة صارت قاسية!، كما صار عندنا طفلة أيضا وهذا يتطلب منا مصروفا إضافيا. قدِّري ذلك. 

- كنت تقول يا وحيد بأن لدى عائلتك شركة كبيرة ومنتجة وهي تدرُّ عليكم أرباحًا كثيرة، وأنك بعد الزواج ستشتري لنا سيارة، فأين كل هذا الذي ذكرته من الحقيقة؟!

- سنسعى إن شاء الله معا يا ميساء للحصول على عمل في إحدى دول الخليج، وهناك سنملك كل شيء وسنشتري أي نوع من السيارات نريده.

- وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا، لقد فهمت الآن كل شيء يا وحيد، عليّ أن أسعى أنا لأحصل على ما أريد ولا يمكنني الاعتماد عليك بعد الآن. إن ما لمسته منك منذ أن تزوجنا يدل على حرصك الشديد على الأموال ولا يخرج القرش منك إلا بعد ألف حساب وحساب، كتلك المرأة في قومها البخلاء، كانوا إذا استنبح الأضيافُ كلبَهُم قالوا لأمّهم: بولي على النار فتمسك البول شحًّا أن تبول به وما تبول لهم إلا بمقدار.

- أنا لست بخيلا يا ميساء لا تظلميني، ما حرصي هذا، إلا بغيةَ توفيرِ بعض المال لنائبات الدهر.

- لاحظت بخلك عندما أردت شراء هدية لنقدمها بعرس صديقتي دعد، وجادَلْتني في شرائها وعدم شرائها وفرضت عدم شرائها, وأخذت لهم كتابًا انتهت صلاحيته لديك كهدية لهم, وكذلك عند وداعهم ذهبنا إليهم بيدين فارغتين, كل هذا وتريدني أن أكون مسرورة!!

كم عانيت في بداية الحمل من ألم وأوجاع، هل شفقت عليَّ مرة، وقلت لنفسك سآخذها لأطمئن عليها، كم عانيت في فترة الحمل وكم اشتهيت أشياء لم تكن تشتريها لي، آخذ من أهلي لأشتريها، وهل كنت تشفق على قمر عندما تمرض كبقية الآباء في العالم، و. و. وماذا أعدُّ لك لأعدّ.

- أوه ميساء لا تعطي الموضوعَ أكثر من حجمه. 

   رنّ جرس الباب، ذهب وحيد ليرى من هناك، وإذا بحماته أم إلياس، جاءت لتطمئن على حفيدتها قمر، رحبّ بها ودخلت، قامت ميساء وهي تحمل قمرَ بين يديها واستقبلت أمها أحلى استقبال. 

   ضمّت أم إلياس حفيدتها إلى صدرها وقبلتها بحرارة، داعبتها قليلا ودغدغتها، ثم سألت ميساء عن أحوالهم، فردّت ميساء أن كل شيء على ما هو عليه. ليتني أطعتك يا أمي وقبلتُ بابنِ خالتي زوجًا لي. 

قالت لها أمها: ما عليك يا ابنتي كل ما حصل هو قسمة من رب العالمين. ليعلّمنا الصبرَ ونسأل الله أن يصلح باله ويهديه. ردت ميساء: أمي أنا قررت أن أتركه إذا بقي على هذا السلوك وهذا الشحّ القاتل.

   خبِرَ أبو إلياس بعد عودة أم إلياس للبيت، فانزعج على وضع ابنته مع هذا الرجل التعيس. وصار يعذبه ضميره وخاصة أنه هو من أراد لها وحيدًا أو هو الذي اقتنع به عريسا لها، فأراد أن يفعل شيئًا ربما يسعدهم به أو يسعدها هي على الأقل.

   تذكّر أن له أصدقاء في دولة البحرين عندما كان يعمل هناك منذ سنوات، ففكر بالاتصال بأحد أصدقائه هناك، وأخيرا حصل على عمل وبشق الأنفس لابنته ميساء وزوجها وحيد، وعسى بعد هذه الخدمة لوحيد سيصلح نفسه مع ميساء ويبسط يده قليلا، العمل هو في أحد المعاهد هناك وعليهما السفر بعد أسبوع كي يلتحقا بالعمل الذي سيبدأ قريبا جدا. 

   أخبر أبو إلياس ابنته بهذا الخبر، فطارت من فرحها وشكرت والدها كثيرا، وأبلغت زوجها بهذا الخبر السار لكي يستعدا ويجهزا نفسيهما للسفر. فرح الزوجان أشدَّ الفرح وخاصة ميساء التي كانت قد قررت مؤخرًا تركه والاعتماد على نفسها لتأمين كل ما يلزمها ولابنتها من حاجات في الحياة والتي كانت بنظر زوجها غير ضرورية، لكنها وجدت هذه الفرصة كملجأٍ أخير لإصلاح ذات بينهما، ربما بعد هذا العمل الذي قدمه والدها لهما وله بشكل خاص يجعله مصلحًا لنفسه ومُغيّرًا لسلوكه.

   بعد اسبوعٍ كل شيء كان جاهزًا، ودّعت أسرة وحيد الأهل في كلتا العائلتين وسافروا إلى المنامة عاصمة البحرين. استقبلهم أحد مسؤولي المعهد في المطار وأوصلهم إلى مكان سكنهم. في اليوم التالي تابع وحيد أمور التوظيف في المعهد، بينما بقيت ميساء ترتب مكان الإقامة بشكل جيد.

  سجلا ابنتهما قمر في إحدى دور الحضانة، ليتسنّى لهما العمل بدون انشغالٍ بها. وتابعا عملهما في المكان الجديد وكلّهما أمل أن تتحسن ظروف المعيشة. 

  أخبرت ميساء برسالة أرسلتها لصديقتها دعد عن مكان عملها الجديد، فرحت دعد بهذا الخبر المفرح وتمنت لها إقامة سعيدة ووِفاقًا مع زوجها وتوفيقا في العمل. 

   لقد مرّ شهران وبدأ الشهر الثالث وصار عندهما الاثنان مبلغا يكفي لشراء سيارة، اقترحت ميساء على وحيد شراء سيارة وليس من الضروري أن تكون جديدة، فقال لها أمهلينا يا ميساء، حتى يصبح عندنا مبلغا أكبر من هذا، لأن السيارة بحاجة لوقود ومصاريف أخرى كثيرة، وخاصة إذا تعطّلت فسوف نصرف كل ما وفرناه من اجل تصليحها. 

   دخلت ميساء غرفة النوم وصارت تبكي، لأنها أيقنت أن بقية حياتها مع هذا الزوج ستكون تعيسة، وندمت على كل ما فعله والدها من أجل هذا الإنسان التافه. لكن كما يقول المثل: سبق السيف العذل. 

   وبما أنها تعمل وصار لديها مصدر دخل وتستطيع ان تقدر الأمور في الأسرة وتعرف كيف ستسير الحياة،

هنا قررت بينها وبين نفسها أن تصبر شهرا آخرا لتشتري سيارة بنفسها ومن راتبها الخاص، لأنها صارت تدرك أن وحيد سيعتمد في مصروف البيت على راتبها وسيوفر راتبه لنفسه ويضعه في البنك دون أن يصرف منه شيئا وحججه كثيرة في ذلك. 

   كان وحيد معتادا أن يأخذ مصروف البيت منها، لكن اليوم عندما طلب منها ذلك رفضت أن تعطيه، قالت له: سأحتفظ بأموالي عندي لكي أستطيع أن أشتري سيارة ونعيش مثل كل الناس في هذه البلاد، وليس أن تعتمد على بعض زملائك في العمل أو طلابك كي يوصلونا بسياراتهم إلى هنا أو هناك، كفى يا وحيد، أنت رب الأسرة وأنت ملزمٌ بمصروف البيتِ كلِّه. وهنالك واجبات يجب عليك أن تلتزم بها تجاه عائلتك وعدم التهرب منها، وكفاكَ تملّصًا من الأمور المالية وما تفعله هذا يهدد استقرار الأسرة كلها. عامِلْني بالحسنى إكراما لوالدي الذي سعى من أجلنا لنحصل على هذا العمل هنا، هل ضاعت فيك المودة وانعدم الوفاء؟

   سكت وحيد ولم يستطع الرد، لأن كل ما قالته ميساء كان صحيحًا ومنطقيا. 

صارت ميساء تشعر بالتوتر والقلق والخوف من المستقبل مع هذا الشخص الذي خدعها طيلة فترة التعارف، تذكرت صديقتها دعد التي حظيت بزوج مثالي وشخص رائع.. 


   فكرت بالاتصال بها... وفعلا مسكت الهاتف ودقت لها: ألو..... 

- يا لها من مفاجأة، أهلا ميساء!

- كيفك يا دعد، هل أنت بخير؟

- نعم أنا بخير يا ميساء، وأنتِ طمئنيني عنكم أنت ووحيد والأميرة الصغيرة قمر، هل جميعكم بخير؟

سكتت ميساء والدموع تساقطت من عينيها، كعادتها عندما تتصل دعدٌ بها، ماذا تقول لصديقتها التي لم ينسَ قلباهما ارتطام الدقات وعبق الذكريات؟

 هل تخبرها بما لديها من تعاسة، بعد كل هذه التجارب وهذا الصبر اللامحدود؟!

- الحمد لله على كل حال يا دعد، لكن كل شيء على حاله كما أخبرتك سابقا عن وحيد ولم يتغير شيء، هذا هو حظي في الحياة، وعليَّ أن أتحمل ما جنيت به على نفسي، لقد أصبحت لا أطيقُه وأصبحت فعلا أفكر بالانفصال عنه، ولكن كنت أتردد أحيانا من أجل ابنتنا قمر وحتى لا يؤثر عليها هذا عندما تكبر..

- لا تستعجلي بقرارك هذا يا ميساء، أعطه مهلة ربما سيهديه الله إلى جادة الصواب ويبسط يديه، وإذا لم يفعل ذلك ولم يصلح نفسَه، فمعك الحق فيما أن تقدمين على فعله، لأن الزوج البخيل بالتأكيد يغرقُ حياة الأسرة في مشكلات اجتماعية تكادُ لا تنتهي. 

- هذا صحيح يا دعد وهناك أزواج وإن امتلكوا المال الوفير هم غير قادرين على بسط ذات اليد، وهم يرزحون تحت تأثيرات نفسية تدفعهم إلى الشح والبخل بمالهم وعواطفهم. كنت أفكر سابقا بولد آخر يرزقنا الله إياه، لكن في ظل هذه الظروف، طارت هذه الفكرة كلها من راسي. 

- معك حق يا صديقتي، كما أن هنالك أبناء أيضا، قد يقدمون إلى ارتكاب جنحة السرقة ليحصل على المال، وقد يتطور الأمر بهم إلى تعاطي المخدرات، وقد تودي بالفتاة إلى مهالك لا تناسبها طلبًا للمال أيضًا. 

- صحيح وهذا ينعكس عليّ بشكل مباشر يا دعد، لأنني أنا أيضًا المسؤولة عن الأسرة، وعدم تأمين المصروف اللازم يوقعني في قلة الحيلة... لهذا فمشاعر الاحترام والمحبة تجاه هذا الزوج تبدأ بالتلاشي لتحلَّ مكانها مشاعرُ النفورِ والبغضاء، وفي كثير من الأحيان قد يؤدي بخل الزوج إلى حدوث الطلاق، وهذا ما أصبحت الآن أفكر فيه حقيقةً، لكن كما قلت سأصبر عليه فقط إلى نهاية هذا العام الدراسي، إن لم يصحِّح من أسلوبه هذا فالانفصال هو الأفضل لي ولابنتي وسأعتبر أباها قد مات. 

- صدقتِ يا ميساء أعانك الله على تحمل هذه المسؤولية وأسأل الله لك التوفيق وكل خير. 

هل توصيني بشيء؟

- شكرا لك يا دعد، اتصلي دائما بي. صوتك بلسم لآلامي وأوجاعي.

- لا تقلقي يا عزيزتي، سنبقى على اتصال كلما سنحت لنا الفرصة، وسيبقى الوفاء والإخلاص عنوانًا لمحبتنا وصداقتنا، أستودعك الله وإلى لقاء قريب.

- شكرًا يا دعد وفقك الله ومبارك عليك هذا الزوج الرائع والمثالي، لا يهمّ كم يبقى له من عمر، والأعمار بيد الله، المهمّ أن العمر كلّه يبقى معك. أتمنى لكما حياة هنيئة مليئة بالأفراح والمسرات ورَغَدِ العيش، وأن يرزقكما الله الذرية الصالحة. أستودعك الله يا غاليتي وإلى اللقاء. 


لقد أكدت لنا هذه القصة أن البخل من أسوأ الصفات الشخصية، فلا يستطيع إنسان عاقل أن يعيش مع شخصية همها الأول والأخير هو كيف يجمع المال فقط، فهو لا يرحم عمر أطفاله وما يحتاجونه من مستلزمات أساسية تجعلهم يعيشون حياة كريمة تغنيهم عن العوز والحاجة، فهم مع هذا الأب البخيل محرومون ويعيشون حياة قاسية ليس فيها أي معنى للمودة والرحمة وقد يؤدي ذلك الى تشرد الأطفال ويكون هذا سببًا رئيسيًا إلى دفعهم الى السرقة وارتكاب الموبقات وغير ذلك الكثير الكثير, وكل ذلك من أجل حصولهم على المال الذي يحقق أمنياتهم ورغباتهم.. 

وفي الجهة المقابلة هناك كرم الأخلاق والنخوة والشهامة فكما قال الشاعر معروف الرصافي: هي الأخلاق تنبت كالنبات إذا سُقِيت بماء المكرُماتِ, هنا يستطيع الإنسان العاقل أن يعيش بعزة وكرامة ومحبة وإخلاص.

                                                  


           انتهت القصة


زياد اليوسف 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلام على تلك العيون… بقلم الشاعر اسماعيل هريدي

قصيدة بعنوان شييطان الشعر**بقلم الاستاذ عماد صابوني وشارك بالردود الاساتذة ثريا العبيدي **ندى الروح**اميرة الحياة**ليلى الجلالي

قصيدة //اين انتم يا عرب ؟؟؟؟؟ااالشاعر عبد النور اوشام محمد كوبا

عتبي عليك يا زمن ...بقلم... علي حسن

خبز التنور // بقلم الكاتب والشاعرمصطفى مزريب.أبوبسام جبلة.سورية

قصيدة من الزجل الروحي: بشائر النصر.** بقلم**الحسن العبد بن محمد الحياني

اضناني الشوق ........بقلم الشاعرة فاطمة الفاهوم

چلمه.. چلمه... بقلم الشاعر...علي الخليفاوي

حوار مع العراف/// الشاعر /// السيد سعيد سالم

أُحبك ///بقلم الشاعرة///بقلم امل ابو سل